أستاذ قانون دولي لـ«مصر الآن»: البيان الإثيوبي عكس الحقائق واتهامات باطلة تكشف هشاشة الموقف القانوني لأديس أبابا
قال الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي العام والأمين العام للجنة الدولية للدفاع عن الموارد المائية، إن البيان التصعيدي الصادر عن وزارة الخارجية الإثيوبية ضد مصر يمثل «قلبًا فجًا للحقائق» ويعكس حجم الارتباك داخل أديس أبابا، مؤكداً أنه مليء باتهامات باطلة لا تستند إلى أي أساس قانوني، وتفضح ضعف حجج إثيوبيا في ملف سد النهضة.
وفي تصريحاته لـ«مصر الآن »، نفى الدكتور مهران بشكل قاطع الاتهامات الإثيوبية التي زعمت أن مصر تعرقل مسار التفاوض، مشيراً إلى أن الوثائق والتقارير الرسمية تثبت أن القاهرة شاركت في كل جولات التفاوض منذ 2011 بمرونة كاملة، بينما كانت أديس أبابا هي الطرف الذي رفض جميع الآليات القانونية الملزمة، بما في ذلك التحكيم الدولي ومحكمة العدل الدولية وأي اتفاق يُقيد الملء الأحادي. وأضاف أن إقدام إثيوبيا على تنفيذ أكثر من خمس عمليات ملء دون إخطار دولتي المصب ينسف بالكامل ادعاءاتها حول حرصها على التوافق.
وفيما يتعلق بمزاعم أديس أبابا بأن مصر تتمسك بما تصفه «معاهدات استعمارية»، أوضح خبير القانون الدولي أن اتفاقية 1959 بين مصر والسودان اتفاقية ثنائية بين دولتين مستقلتين، ولا علاقة لها بأي سياق استعماري، مؤكداً أن الحقوق التاريخية لمصر في مياه النيل مكفولة بالقانون الدولي العرفي ومبدأ «الحقوق المكتسبة»، الذي يحظى باعتراف راسخ في القانون الدولي للمجاري المائية.
وأشار مهران إلى أن ادعاء إثيوبيا أنها توفر 86% من مياه نهر النيل يُعد تضليلاً متعمداً، موضحاً أن الرقم يقتصر على مساهمتها في مياه النيل الأزرق فقط وليس كامل حوض النيل. وشدد على أن القانون الدولي لا يعترف بمبدأ «السيادة المطلقة» على الأنهار المشتركة استناداً إلى الجغرافيا، بل يقوم على مبدأ «الاستخدام المنصف والمعقول» مع تجنب الإضرار بالدول الأخرى.
وردًا على اتهامات إثيوبيا لمصر بمحاولة خلق حالة من عدم الاستقرار، أكد مهران أن الوقائع تشير إلى العكس تمامًا، متسائلاً: «من الذي تسبب في فيضانات مدمرة في السودان بسبب التصريف الأحادي؟ ومن الذي يهدد أمن أكثر من 165 مليون إنسان في مصر والسودان؟ ومن الذي يبني سدًا عملاقًا بلا اتفاق مع شركاء الحوض؟» مصيفا أن السلوك الإثيوبي القائم على الإجراءات الأحادية دون تنسيق هو جوهر عدم الاستقرار في المنطقة.
وتعليقاً على اتهام أديس أبابا لمصر بإطلاق «تهديدات مبطنة»، أوضح مهران أن ما تسميه إثيوبيا تهديدًا ليس سوى تعبير مشروع عن حق أصيل في الدفاع عن الأمن المائي، مشيراً إلى أن المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة تتيح للدول اتخاذ ما يلزم من إجراءات دفاعية في مواجهة التهديدات الوجودية، مؤكداً أن إدخال مصر في خانة التهديد غير القانوني محاولة بائسة للتغطية على الانتهاكات الإثيوبية.
ورفض خبير القانون الدولي ما ورد في البيان الإثيوبي بشأن أن سد النهضة يمثل «اعتماد أفريقيا على ذاتها»، موضحاً أن التنمية الحقيقية لا تقوم على انتهاك حقوق الآخرين أو فرض الأمر الواقع، وأن المشروع خالف جميع مبادئ القانون الدولي للمجاري المائية، خاصة مبدأ الإخطار المسبق وعدم الإضرار والتعاون.
وقال مهران إن دعوة إثيوبيا في ختام بيانها لـ«حوار بنّاء» تكشف تناقضاً صارخاً، متسائلاً: «كيف تدعو للحوار وهي التي رفضت طوال 15 عاماً أي إطار قانوني ملزم، وواصلت الملء دون اتفاق، وتتهم مصر بمعاهدات استعمارية؟» معتبراً أن هذه الدعوة لا تتجاوز كونها مناورة سياسية للاستهلاك الإعلامي.
واختتم مهران تصريحاته بالتأكيد على أن البيان الإثيوبي الأخير يعبّر بوضوح عن أزمة قانونية ودبلوماسية تعيشها أديس أبابا، مشيراً إلى أنه يعكس فشلها في كسب أي شرعية دولية لممارساتها الأحادية، ومحاولتها المستمرة لقلب الحقائق واتهام مصر بسلوكيات تمارسها هي نفسها.
وأكد أن هذا الخطاب يكشف أكثر من أي وقت مضى هشاشة الموقف القانوني الإثيوبي وانهيار حججه أمام المجتمع الدولي.


.webp)



